الجميلة هدى قصة للكاتبة الأديبة / أ. امل سلمان / سوريا

الجميلة هدى قصة للكاتبة الأديبة / امل سلمان / سوريا
كنت مدرساً لمادة التاريخ لربع قرن وجبت سورية الجميلة من الشرق للغرب ، احبني تلاميذي وبادلتهم الحب كنت صديقهم الذي اطربوه بقصصهم في السلم وابكوه بحالهم في الحرب ومع تقدمي بالعمر واحالتي للتقاعد نسيت الجميع وبقيت هدى آخر القصص وكل القصص في بالي
حدثت القصة عندما كنت ادرس مادة الاجتماعيات ( تاربح جغرافية قومية ) للصف الثامن في قرية ريفية جميله يتخللها نبع عذب الماء تقع قربه المدرسة التي تحيط بها اشجار السنديان ولفت انتباهي فتاة خلابة الجمال تجلس في المقعد الاخير بشعرها الاشقر وبعينيها الزرقاوين وبشرتها العاجية التي لم يؤثر عليها الفقر الا ببعض الشحوب علمت بانها من اسرة كبيرة العدد ست بنات وذكر واحد كانت هدى متلهفة للمعرفة تحفظ جميع دروسها تشاركني بكل الاجابات
لا تنقطع يوما عن درس رغم الصقيع البرد شتاء وهي لاترتدي معطفا اسالها مشفقا
- الا تحسين بالبرد يا هدى تجيبني ضاحكة
- العلم مدفاة مازوت
- اضحك بدوري وانظر الى المدفاة الفارغة في غرفة
الصف وانهي الحصة الدرسية باحاديث جانبية مع التلاميذ عن احلامهم آمالهم في المستقبل والتي غيرتها ظروف الحرب فاغلب الذكور يحلمون بالهجرة واغلب البنات يفكرن بالزواج الا هدى انها تحلم بان تكون طبيبة وتفتح عيادة في قريتها المتواضعة اثني عليها واقول صفقوا لهدى
إلا ان الحال تغير واختفت هدى الجميلة من غرفة الصف لاعلم بعد فترة ان والدها زوجها لشاب في القرية ليتخلص من مصروفها بسبب فقره
اصبت بحزن شديد كم ستتالم تلك الطفلة
ولم ارها خلال عملي في العامين الثاليين
وفي احد النهارات الربيعة المشرقة بعد ثلاثة اعوام وجدت شابه امامي هزيلة تمسك يد طفل صغير ويبدو انها حامل في شهرها السادس ايضا
خاطبت نفسي انها هدى المسكينة كم تغيرت
صافحتني وخاطبتني
-هل اقدر ان اطلب منك طلبا استاذ ايوب
- نعم يا بنيتي
- هل تقدر ان تؤمن لي عملا في المدينة
- ساحاول ولكن كيف ستعملين وانت بهذا الوضع
- حالتي مزرية استاذ ايوب لا نجد ما ناكله ابي زوجني طفلة ليتخلص من مصروفي و مرتب زوجي لا يكفي لحليب الاطفال وهو بحكم خدمته في الاحتياط لايستطيع ان يعمل اي عمل اضافي فاتيت لاسالك
حتى لو عملت بائعة في احد المحلات التجارية
- نعم يا بنيتي سوف اسال واخبرك بعد اسبوع تكون انقضت عطلة العيد
- اشكرك استاذي صافحتني وذهبت لمحت في عينيها رعبا شديدا قلت هل عندك شيء آخر تبوحين به اجابت لا اشكرك استاذ ثم ذهبت ملوحة بيدها
مختفية خلف اشجار السنديان
حاولت جاهدا ان ابحث لها عن عمل حتى وجدت لها شاغرا في احد متاجر الالبسة النسائية و بعد انتهاء العطلة ومباشرة عملي انتظرتها قلقا تحت تحت ظل اشجار السنديان قرب المدرسة ولكنها لم تأت وفي اليوم الثاني كذلك لم تأت خجلت أن اسال عنها وقلت في نفسي ربما غيرت رأيها أو تحسنت حالتها المادية فأغلقت على الموضوع في نفسي وتابعت مسيرتي التعليمية كالعادة وبعد اقل من شهر سمعت ضجيجا حادا حول المدرسة واجتماع لأهل القرية هناك
لقد وجدوا جثة هدى مرمية بين الأشجار والجميع يتحدث عن جريمة شرف وبأن زوجها قتلها لانه شاهد صورا لها شبه عارية وقد نشرت في احد صغحات الفيس بوك فما كان منه إلا ان حمل بندقيته الحربية واطلق عليها عدة طلقات لم يرأف بحالها او حال جنينها
كانت تصرخ قبل ان يقتلها
انا احبك يا منصور لم اخنك كنت ابحث عن عمل اخبروني أنه يوجد اعمال على الانترنيت فدخلت إحداها وظننته (بيغو لايف) وتعمل عليه كثير من النساء مقابل دخل مادي جيدا للبثوث المباشرة لكن الوكيل طلب مني صورا مباشرة مقابل ان يرسل لي تحويلا ماليا كبيرا لاساعدك في مصاريف البيت ووعدني ان يمسحها لم اتوقع انه سيحتفظ بها ليطلب مني المزيد واقسم انني لم ارسل لها سواها لذلك انتقم مني بنشرها ولم احصل على اي ليرة واحدة
ارجوك ..لا تقتلني دع ابننا يعيش ..
لكنها لم تكمل عبارتها حتى اطلق عليها الرصاص وسقطت جثة هامدة حملها ورماها هنا ثم سلم نفسه للشرطة
صعقت بما سمعته من احاديث الجموع التي اقتربت من جثة المسكينة هدى لم استطع ان اراها او ان اخبرها انني وجدت لها عملا شريفا
دفنوها تحت اشجار السنديان التي كنت انتظر حافلة الركاب عندها كل يوم
وبعد وفاتها عاد انتظاري حزينا انظر الى قبرها واقول في نفسي
نامي ياهدى نامي لا الحلم يشفع لك ولا التاريخ
نامي ياهدى نامي انت شفيت والكل جريح
نامي ياهدى نامي عريك شرف وسترهم القبيح
تعليقات
إرسال تعليق
* عزيزي القارئ *
لقد قمنا بتحديث نظام التعليقات على موقعنا، ونأمل أن ينال إعجابكم. لكتابة التعليقات يجب أولا التسجيل عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي أو عن طريق خدمة البريد الإلكتروني...
رئيس التحرير د:حسن نعيم إبراهيم.