الصمت المريب للمقاومة الذي يسبق العاصفة القادمة؟ بقلم إسماعيل النجار
الصمت المريب للمقاومة الذي يسبق العاصفة القادمة؟
بقلم إسماعيل النجارقراءة معمقة في استراتيجية المقاومة والصراع المفتوح في لبنان،
في لحظة إقليمية متوترة، تتداخل فيها الحسابات الدولية مع القلق المحلي، يقف لبنان على شفا مرحلة بالغة الحساسية. تختلط فيها أصوات الغارات الجوية الإسرائيلية بصمت مطبق من المقاومة الإسلامية في لبنان. هذا الصمت أشبه بالفراغ المُرعب الذي يسبق الانفجار الحتمي، أو بحسابات باردة تُعاد صياغتها خلف الأبواب المغلقة. مع تصاعد الضغوط الأمريكية والإسرائيلية على الجيش اللبناني وتصاعد الحملات الإعلامية الداخلية، يبقى السؤال المحوري؛ هل نشهد هدوءاً إستراتيجياً مدروساً، أم هدنة هشة قد تنفجر في صراع مفتوح في أي لحظة بين الطرفين؟
.نحاول اليوم تحليل الوضع، وتفسير الصمت، وشرح الخيارات المتاحة لحزب الله، وفقًا لتقديرات الخبراء ومعاهد الأبحاث والمتابعين لسلوكه تاريخيًا.
.بدايَةً، التعافي الذي يتحدث عنه الجميع في مؤسسات حزب الله الإدارية والعسكرية والأمنية، ليس شعاراً عاطفياً، بل هو مشروع شامل يبدأ بإعادة تأهيل القدرات العسكرية، ويمتد إلى البنية التنظيمية والمالية والإدارية، ويغطي البيئة الاجتماعية والسياسية التي تُشكل الحاضنة الطبيعية للمقاومة. كما تشمل عملية التعافي إعادة تأهيل القدرات القتالية وتحديث أنظمة الأسلحة والدعم اللوجستي. وتتضمن معالجة تداعيات الحرب على الموارد التنظيمية والبشرية، وإعادة تموضع سياسي وإعلامي يراعي الظروف الداخلية ويمنع توفير أي ذرائع للأعداء. علاوة على ذلك، يستلزم تعزيز البيئة الداعمة من خلال إعادة الإعمار، وتوفير الدعم الاجتماعي للمواطنين، وتنفيذ برامج تُخفف من وطأة الأزمة الاقتصادية على السكان.
بمعنى آخر، لا تُعيد المقاومة بناء ترسانتها فحسب، بل تُعيد أيضاً بناء "قدرتها على البقاء" في مجتمع مُثقل بالضغوط.
ثانياً، لماذا يُفسر البعض صمت المقاومة على أنه غموض أو تراجع؟
فهذا الصمت ليس انسحاباً من المشهد، بل هو تكتيك مُتعمد. "الغموض" أداة استراتيجية مهمة تهدف إلى إرباك العدو، الذي يعتمد على وضوح النوايا في صياغة ردوده. كما يسمح بإبقاء هامش للمناورة دون كشف مسار التعافي أو مدى إعادة الإعمار، واحتواء الوضع اللبناني الداخلي لمنع تصاعد الجدل السياسي إلى صدامات طائفية أو أمنية.
.أما الصمت، بمعناه العسكري، فهو ليس موقفًا سلبيًا. إنه جزء من إدارة معركة طويلة الأمد تتطلب أحيانًا أن يبدو الطرف الآخر غائبًا، بينما هو في الواقع يعيد ترتيب الأمور.
ثالثًا، لماذا تشعر إسرائيل بالقلق رغم صمت المقاومة؟
الجواب،، لأن العدو الإسرائيلي، ظاهريًا، يبدو مسيطرًا، مُكثّفًا غاراته الجوية. هذا ما يراه الجميع لكنه تحت السطح، يعيش حالة ارتباك واضح نابع من عجز عن تقييم ما يحدث داخل بنية حزب الله بعد جولات الاستهداف الطويلة كما أن هناك خشية من أن يكون الصمت غطاءً لإعادة بناء منظومات أكثر تطورًا وخطورة.
.إن استحالة معرفة الحجم الحقيقي لخسائر المقاومة، مقارنةً بما يُعرض في الإعلام والتصريحات، محدودة.
تُفضل إسرائيل عدوًا صاخبًا يكشف نواياها. ويبقى العدو الصامت الأصعب في التعامل معه.
رابعًا، استراتيجية المقاومة الإعلامية تكتيكٌ مُعقد "إعلام رسمي صامت" و"داعم مُلتزم". يتبع حزب الله سياسة إعلامية ذكية. إذ يتميز إعلام حزب الله الرسمي بالهدوء وضبط النفس، ويوجه رسائل مدروسة بعناية للدولة والمجتمع الدولي.
بينما الإعلام المؤيد للمقاومة، لا يستجيب لدعوات التهدئة الإعلاميه لأنه يرفضها من جانبٍ واحد، ويخوض معركة الرأي العام دون ضوابط صارمة، محاولًا احتواء الهجمة اليمينية الانعزالية التي تُوظّف بعض شخصيات المعارضة الشيعية في طليعة المعركة الإعلامية.
.هذه الثنائية تُمكّن المقاومة من تجنب المواجهة المباشرة داخل البلاد مع الحفاظ على قدرتها على الرد الشعبي والإعلامي.
خامسًا، هناك ضغط أمريكي وإسرائيلي على الجيش، ورفض قائده الانصياع للإملاءات. يشكّل هذا التصعيد الأخير ضغطًا على المؤسسة العسكرية اللبنانية، التي طُلب منها بشكل غير مباشر القيام بدور أمني وعسكري يخدم المصالح الإسرائيلية.
رفض قائد الجيش الإملاءآت الأميركية،
.العماد رودولف هيكل، رفض الرضوخ لهذه الضغوطات مما أدى إلى استياء أمريكي واضح، تجلّى في إلغاء زيارته الرسمية إلى واشنطن.
.هذه الخطوة ليست تفصيلًا ثانويًا، بل رسالة سياسية مفادها أن واشنطن تريد "جيشًا مُذعنًا" في لحظة المواجهة مع المقاومة. فمقاومة الجيش تعني أن لبنان لن يكون ساحة سهلة للتلاعب الخارجي.
سادسًا، هل سيستمر صمت المقاومة، أم ستنفجر المواجهة؟ سؤال مطروح ولكن سيناريوهات المرحلة المقبلة تتراوح بين ثلاثة مسارات؛
1) ممارسة الاحتواء مترافق مع تصعيد منخفض الشدة؟ مع استمرار الضربات الإسرائيلية المحدودة، يُقابلها صمت مُدروس من المقاومة. هذا السيناريو مُرجّح طالما أن المقاومة تُعطي الأولوية لاستكمال إعادة إعمارها.
٢) ردود تكتيكية مدروسة وضربات مستهدفة في توقيت تختاره المقاومة، بهدف إرساء معادلة ردع دون الانجرار إلى حرب شاملة. أو مواجهة واسعة، واحتمال ضعيف، لكنه يبقى واردًا في حال وقوع خطأ كبير أو تجاوز الطرفين للخطوط الحمراء، سواءً عن قصد أو عن سوء تقدير.
سابعًا، لماذا تُعطي المقاومة "بيئتها" الأولوية على أي قرار عسكري؟
الجواب؛ الأزمة الاقتصادية الخانقة، والانقسامات الداخلية، وتداعيات أي حرب جديدة على الجنوب، والضاحية الجنوبية لبيروت، والبقاع، كلها تجعل أي قرار بشن مواجهة شاملة مكلفًا للغاية. لذلك، يندرج القرار العسكري في إطار أوسع، يركز على الحفاظ على البيئة، وإعادة الإعمار، ومنع استنزافها.
ثامنًا، البعض يسأل ماذا سيفعل حزب الله، وفقًا للخبراء والمحللين؟
.بناءً على التحليلات الدولية وسلوك الحزب التاريخي، تبدو الصورة كالتالي؛ إعادة بناء هادئة للقدرات والهياكل، بعيدًا عن الضجيج. مع تركيز اجتماعي سياسي على ترسيخ النفوذ داخل الدولة والمجتمع، مع ردود فعل تكتيكية عند الضرورة لمنع تغيير قواعد الاشتباك.
تجنب الحرب الشاملة إلا إذا فُرضت عليه نهائيًا. بمعنى آخر، الحزب لا يسعى للحرب الآن، ولكنه لن يتخلى عن زمام المبادرة للعدو.
في الختام، أيها الإخوة، يقف لبنان اليوم على شفا مرحلة دقيقة. فبينما تواصل إسرائيل تصعيدها، تضغط واشنطن على الجيش للانصياع، ويفتح الإعلام الانعزالي جبهة داخلية ضد المقاومة، التي تلتزم الصمت المدروس الذي لا يخلو من رسائل.
.ستُحدد الأسابيع المقبلة ثلاثة عناصر:
1. سلوك إسرائيل ومدى عدوانها.
2. قدرة المقاومة على استكمال تعافيها دون الانجرار إلى الصراع.
٣. تماسك الجيش والمؤسسات اللبنانية في مواجهة الضغوط الخارجية.
فبين صمتٍ ثقيلٍ ودويّ انفجاراتٍ تحت سماء الجنوب، يسير لبنان في ضيق، قد ينفتح على تسوية،
أو قد ينفتح لا سمح الله
على نارٍ لا تُطفئها أيّ تصريحات.
لذلك نقول علينا الحذر الحذر
بيروت في،، 22/11/2025

تعليقات
إرسال تعليق
* عزيزي القارئ *
لقد قمنا بتحديث نظام التعليقات على موقعنا، ونأمل أن ينال إعجابكم. لكتابة التعليقات يجب أولا التسجيل عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي أو عن طريق خدمة البريد الإلكتروني...
رئيس التحرير د:حسن نعيم إبراهيم.