تَهويماتٌ في السَّاعةِ الهَامدةِ من الليلِ .. خَريفُ الأَفئِدةِ للشاعر الفلسطيني فايز حميدي
-١-
الفضاءُ ضيقٌ هُنا والعناقُ مُستحيل
والعواصفُ أذبلت شَقائق النُّعمان
والياسمينُ حَزين
والنهارُ سربٌ مُهاجرٌ من الطيورِ
والظلُّ يَسعى وَراء النّور
والصَمتُ ثَقيل ...
وَبَردُ الرَّدى في العُروقِ ..
أيامُنا شَتيتُ غَمامٍ وَسماءٌ مُظلمة
أزهارٌ ذاويةٌ ذَابلةٌ
جَوقةُ أصواتٍ مُتنافرة
وظلالٌ في العيونِ الغَائرة
العمرُ يَمضي في زِحامِ الليلِ
يَحرسهُ غُبار الحُزن
وما تَبقى من ليلِ الخَريف
وأنا المشَّاء من مَنفى إلى مَنفى
ويتقدمُ وَطنُ الحنينِ
كالشَّاطئ المَهجورِ كالصَحراء !!
لا شيء سوى الرِّيح تصفعُ صدرَ الحَصى
وصمتُ القُبور والكفنُ الملطخَ بالدِّماء
وزنبقةُ مؤنسُ الغُرباء*
لاشَيء سُوى اليبابُ والجِياعُ الحَيارى
وأنينُ الغُبار والقوةُ العَمياء
لا شيءَ سوى الرَّحيل والبردُ والليل الطويلُ
وأوراقُ أغصانٍ تَرتعش
ودمعٌ يُذرف في سُكونِ
وحواجزُ الصَّمت مَسقوفةٌ بالرُّعب
يكتبُ فيها على الرُّوحِ الشَقاءُ
وَصباغ أحذِّية الغُزاة ..
-٢-
يَطولُ الليلُ وَنور الفَجر يَنأى
في الفضاءِ غَمامةٌ مُتَوَحِدة
تَتدلَّى كَمشْنَقة
كمركبٌ في اليَّمِ تَتنازعهُ العَواصفُ
مُتَّسِع العَينينِ أَمشي
أبحثُ عن وَجهِي
في زَمنٍ مَاتَ المَعين والمَعنى !!!
وَغلسٌ يَغْشى نَاظريَّ
كَظلالٍ تَتقافزُ في إوارٍ
كالأوهامِ في مُدنِ الخَيال ..
صَبريَّ يَتشظى وَروحيَّ تَائهةٌ
كَفراشةٍ تَدنو من ضَوءٍ
يَفتحُ شدقَيهِ للهاويةِ !!
يا لغةً تَستوطنُ رِئةَ التَّاريخِ
في البدءِ كَانت الكَلمةُ
تُحَاصِرُني يَقظةُ التَّأويلِ
شجرةُ بُرتقالٍ تَنظرُ بِحزنٍ شَاردةٍ
أأصدقُ فِكرةً عَابرةً وأكذبُ التَّاريخ !
طُغاةٌ أدمَنوا دَمنا
ضٌَحية تُذعنُ لِقَاتِلها الطَّاغية لينحَرها ثَانيةً !!
وَجراحٌ تَرقصُ من الألمِ تُصالحُ سِكينَها !!
أليسَ لأحلاَمِنا وَرديةُ الوَجناتِ غير التَّشرد ؟!
هي أسئلةُ الجِراحِ التي لا تَنتهي !!!
-٣-
يا وطناً تتجاذبهُ أمواج الحياةِ
مدُّ الحُزن وَجزر المسرَّة !!
في بلادٍ تسمى وطناً
جُثمان يَلهو في ذاكرةِ الورى
مَقطوع الحُنجرة !!
خَلايا فاسدةٌ ، وآلهةٌ مُزيفةٌ
وحربُ يَهوذا المُتواصِلة ..
يا وطناً أتخمهُ الجُوع والقَهر
وخريفَ الأفئدةِ
أبناؤهُ عُراة مثلَ الأجنةِ
بٍلا مَاءٌ
بِلا خُبزٌ
بِلا ضَوءٌ
بِلا أمَلٌ وَحلمٌ وَديعٌ !!
مُترَهِبونَ بهمومِ الدُّجى وأطيافِ النَّهارِ
يُبعثرهم الصَّمتُ وَيسطو الخَواء
غيابٌ يُسرف في الغيابِ !!
حينَ يَحكُمُنا جُنون الوَغرِ وزوبعةُ الفتنةِ
وَمُوسيقى النَّعشِ والأقلامُ المُوبوءة
لا زهرةٌ ورديةُ الوَجناتِ تُشرقُ !!
وتتناسلُ الفَاقةِ
وَيتورمُ الواقعُ تفاهةً وصدأً
والبلادُ ترجُّ بثَدييها الطافِحتانِ خيراً!!
وعلى ثَراها يَجوعُ الطَّيرُ والبَشَرُ
-٤-
خلفَ حُدود الليلِ أقبيةُ الغُلِّ
وأوردةِ الحياةِ تَشكو السَّقم
وعيونٌ تتلصصُ بِلا انتهاءِ
مَخالبٌ سَوداءُ وجراحٌ مَوبوءةٌ
وذئابٌ على مفارقِ الجَّسدِ !!
هي جلجلةٌ في الرُّوحِ
أشدُّ صخباً من هَزيمِ الرَّعدِ
أسمعُ بيروتَ والقدسَ وبغدادَ
ودمشقَ قلعةُ التاريخِ ..تَئنُّ !!
أسمعُ قَلبيَّ يَشهقُ !!
أَيجيءُ زَمانُ الصَحوةِ ؟!
أيَتقدُّ صمتُ الشَّفقِ الورديُّ كِفاحاً
وَيضيءُ مع الأملِ شُموعاً؟!
أتزهرُ أسئلةَ الجُرحِ وَنُمزقُ أكفانَ الدُّجى
أناشيدَ كفاحٍ وأقواسَ قُزحِ ؟!
محبتي
(القدس الموحدة عاصمة فلسطين الأبدية ) ..
* زنبقة مُؤنس الغُرباء : تسمية أطلقها القرويون في الساحل السوري
على نوع من الزنابق تنبت في المقابر
تعليقات
إرسال تعليق
* عزيزي القارئ *
لقد قمنا بتحديث نظام التعليقات على موقعنا، ونأمل أن ينال إعجابكم. لكتابة التعليقات يجب أولا التسجيل عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي أو عن طريق خدمة البريد الإلكتروني...
رئيس التحرير د:حسن نعيم إبراهيم.