بعض الكوميديا السوداء / الباحث الأديب باسل الخطيب / سوريا

بعض الكوميديا السوداء / الباحث الأديب باسل الخطيب / سوريا
بعض الكوميديا السوداء / الباحث الأديب باسل الخطيب / سوريا



في بيتهم قط.... هكذا قالت لي، يأكل يومياً كيلوغراماً كاملاً من أجنحة الدجاج الطازج، ولايرضى إلا الطازج من الدجاج… هههههه...... افترت شفتاها المنفوختان المحشوتان بالسيليكون والكلام الفاضي عن هدير تلك الضحكة، وتابعت، كم (بيسو) عندي انا؟؟......…عفوا”، من هو بيسو؟ سألت انا، قطي، بيسو هو اسم قطي، حبيبي…..
لبيسو إياه طبيبه الخاص الذي يرعاه بكل حنان، يعطيه لقاحاته بانتظام، يكلفهم ذاك القط شهرياً حوالي مليون من الليرات، لذاك القط غرفة خاصة به، هي على فكرة غرفة أخيها، أخاها اياه الذي هرب الى خارج البلاد لكي يتجنب الخدمة العسكرية.....
ينام القط على فراش وثير، و أحياناً يشاركهم أسرتهم، حتى أن ( مامي ) تحب ذاك القط أكثر من ( بابي )، لدرجة أن (بابي) ينام على الكنبة إن قرر بيسو أن ينام بجانب (مامي)….
يحب القط أن يأخذ قيلولته بين الثالثة والرابعة عصراً، ونحن نراعي تلك الخصوصية، لذا ترانا نمشي على رؤوس أصابعنا لكي لانزعجه.
قالت هذا ولفت ساقاً على ساق، أخذت مجة من سيكارتها وقالت : سنسافر هذا الصيف خارج البلاد، وسأترك قطي حبيبي عند طبيبه الخاص يعتني به، يريد ذاك الطبيب مبلغا” كبيرا” جدا” من المال لقاء ذلك ، لابأس ….. 
فجأة نظرت الي وقالت : هل تراني بحاجة لبعض السيليكون في مكان ما من جسدي ؟ ووقفت أمامي لأعاين جيدا”، فغرت فاهي ، بلعت بعض الهوا … أقصد بلعت ريقي : عفواً ، … ماذا ؟ …. ضحكت وقالت : السيليكون ، السيليكون ، ألا تعرف ماهو السيليكون ؟ كل صديقاتي وضعن السيليكون في مكان ما من أجسادهن..... أنت خبير بجغرافية البلدان ولاتعرف شيئاً عن جغرافية الأجساد ….. 
بدأ القولون عندي يتوتر، وقررت تعويض ذاك النقص الفظيع، وأن أبحث عن معنى كلمة سيليكون في معجم يأخذ بمؤخرات الكلمات…..
في بيتنا جريح، وأنا على فكرة أم شهيد، هكذا بكت أمامي، وتراني أعمل لديكم في تنظيف درج البناية كي أطعم اولئك الأطفال، أطفال الجريح اياه، فهو على فكرة طريح الفراش لأنه بكل بساطة مشلول....
نحن لانعرف الدجاج، اللهم الا في كتاب العلوم الذي يدرسه حفيدي، ابن ذاك الجريح اياه، أخر مرة كان في بيتنا فروج أخذنا جميعاً معه ( سلفي ) للذكرى، فرادى وجمعاً.... 
أنا أعطي ابني الدواء ، أحياناً ترتجف يدي فللعمر حقه، فأنا أبلغ السبعين..... هذه الدنيا ضاقت كثيراً علينا، والمصاريف كثيرة، من أين أجلبها ؟ لا أدري ، لذا تراني أعمل في تنظيف أوساخكم..... هكذا تأتيك اللقمة أغلب الأحيان مغموسة بالذل، أم أنكم كنتم تظنون أننا نعيش على التركيب الضوئي ؟ يالسخافتك…….
تسألني كيف هو بيتنا ؟ عبارة عن غرفتين، غرفة ينام فيه ابني الجريح واولاده وزوجته، وفي ذاك الركن الضيق أنام أنا، الغرفة الثانية للضيوف الذي لايأتون أبداً، فنحن كما ترى فقراء....
ابني لاينام، لا ليلاً ولا وقت القيلولة، أتراه العجز يقتل الروح ؟ لم أعد أفهم نظرات زوجته اليه، هل هي نظرات شفقة أم غيظ ؟ أعرف أن ابني يدرك ذلك، فعلى تلك ( الفرشة ) الرقيقة البائسة بقايا رجل وحطام روح.....
لا أجد الوقت لكي أبكي أو أحزن على حال ابني الجريح أو فراق ابني الشهيد، فالذكريات تلاشت بمرور الأيام أو مرور الممسحة على درجات سلم البناية …. أصعب أوقاتي عندما أضع رأسي على بقايا تلك المخدة، فرغم كل التعب والارهاق والقهر الذي يجتاحني ترى كل الذكريات تنهمر كأنها الرماح، ومع الطعنة الأخيرة والغصة الأخيرة تراني استسلم ……….

سقطت الأوراق مني على الأرض انحنيت لألتقطها، سبقتني اليها دمعة هربت مني، لململت الأوراق وحبست الدمعة الثانية، على رأس أحد الاوراق رسمت تلك الدمعة هذه العبارة ” أه … كم أكره عجزي......

  الباحث الأديب باسل الخطيب / سوريا

تعليقات