الإصلاح الزراعي .. ماذا يعني ؟ ومتى بدأ ؟ وكيف انتهى ؟ والاكتفاء الذاتي ؟ بقلم م.معتز الكوسا
الإصلاح الزراعي
ماذا يعني ؟ ومتى بدأ ؟ وكيف انتهى ؟ والاكتفاء الذاتي ؟
م.معتز الكوسا
وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي
الإصلاح الزراعي هو الحل الحقيقي للمشكلة الزراعية السورية الذي جسّده القانون رقم 161 لعام 1958م، والذي تم تشريعه شريطة أن تعقبه خطوات إصلاحية أخرى تجعل منه أداة فاعلة للمساهمة الجادة بالاكتفاء الذاتي و الاقتصاد الزراعي الناجح.
فالإصلاح الزراعي باختصار عبارة عن صيغة لإشراك صغار المزارعين بالعملية الإنتاجية بعيداً عن استغلال الإقطاعيين (كبار ملاك الأراضي الزراعية) و ذلك من خلال وضع سقف محدد للملكية الزراعية يتيح للقانون بموجبه الاستيلاء على الحيازات الزراعية المتجاوزة لهذا السقف، و توزيع الجزء المُستولى عليه على صغار المزارعين للمباشرة بالإنتاج و الانخراط بجمعيات تعاونية إنتاجية تنظم عملهم و تُصرّف منتجاتهم وفق الخطة الزراعية السنوية للدولة ولكن التطبيق الذي جرى على أرض الواقع كان بعيداً بشكل ملحوظ عن النظرية إلاّ أنه حقق اكتفاء ذاتي جيد على مدى أربعة عقود انعكس على المخزون الاستراتيجي للقمح، و الإنتاج الكمي و النوعي لمحصول القطن و ما رافقه من ازدهار للصناعة النسيجية وتصديرها، و التنوع للمحاصيل الزيتية و العلفية و السكرية، ليبدأ الإصلاح الزراعي بالتدهور عقب ترهل الجمعيات الفلاحية و اتحاد الفلاحين بمتابعة مهامهم المنوطة بهم لانتشار البيروقراطية و الفساد، و لصدور تعاميم و قرارات و قوانين من قبل وزارة الزراعة لا تدعم الإصلاح ذاته، و لتوجّه الحكومة باتجاه السياسة المصرفية و المناطق الصناعية و شركات التطوير العقاري بالأراضي الزراعية و على حساب القطّاع الزراعي !!!
بعد عدّة تعاميم من صدور قانون الإصلاح الزراعي رقم 161 لعام 1958م، تم إيقاف توزيع أراضي الدولة العقارية عام 1974م، وما زالت موقوفة لتاريخه، و كثيرة هي القوانين التي أعقبت هذا القانون لتعديل معظم مواده و فقراته، وأهمها عمليات بيع و إيجار الأراضي بموجب قانون أملاك الدولة رقم 252 لعام 1959م، و الاستثمار الذي كان آخر تشريعاته المرسوم 19 لعام 2008م، و تعميم مديرية أملاك الدولة رقم 2187/م.د تاريخ 27/5/2009م ويتساءل بعض المهتمين بالشأن الزراعي عن مدى فاعلية قانون الإصلاح الزراعي و ما تبعه من تفتيت للأراضي الزراعية في بعض المناطق الزراعية التي انتشرت فيها محاضر البناء و المقاسم العقارية بشكل لافت بالعقدين الأخيرين، وهنا نشير إلى القانون رقم 273 لعام 1956م المُعدّل بالقانون رقم 22 لعام 1959م، الذي أجاز نقل أراضي أملاك الدولة للوحدات الإدارية و البلديات، مع وجود ما يسمى بدليل تصنيف الأراضي السورية الذي يمنع إصدار تراخيص البناء على الأراضي الزراعية المُصنّفة بالرُتب الأولى لتصنيفه (الزراعية الخصبة)، و وجود ما يسمى هيئة التخطيط الإقليمي بالمحافظات وهي المسؤولة عن إصدار توسُّعات المخططات التنظيمية للوحدات الإدارية و البلديات، و التي بموجب مخططاتها هذه يتم نقل أراضي الدولة لصالح تلك الوحدات و البلديات، و لا يخلو عمل هيئة التخطيط الإقليمي من تأثير تُجّار المُضاربة العقارية بمجال توسع المناطق التنظيمية و على أيّة أراضي ؟؟؟
أي أن الإصلاح الزراعي اصطدم بالإقطاع ثم باتحاد الفلاحين ثم بالشركات العقارية ثم بتهميش الحكومة له على حساب دعم القطاع الصناعي و المصرفي، وإضافة لذلك نسرد بعض العثرات التاريخية التي اعترضت الإصلاح الزراعي قبل العقدين الأخيرين :
1. لم يتم الاستيلاء على كامل الأراضي الموجودة بأيدي الإقطاع آنذاك فكان تطبيق القانون جزئي وببعض المناطق.
2. نسبة المستفيدين من الأراضي المفروض توزيعها بموجب محاضر و قرارات الاستيلاء لم تتجاوز 45% من المستحقين المسجلين بالتعداد الزراعي وفق المجموعة الإحصائية 1974م.
3. بموجب فقرات قانون الإصلاح الزراعي تم إنشاء جمعيات تعاونية لتتحكم بما نسبته 15% فقط من الأراضي المزروعة، علاوة على ذلك أن هذه الجمعيات لم تكن إنتاجية وفق غاية القانون و الاقتصاد الزراعي السليم.
4. لقد انتقلت الحيازات إلى المزارعين الصغار دون أن تكون لهم الإمكانية المادية لتأمين المياه و شراء البذار و الأسمدة و المبيدات، و بالبداية كان المصرف الزراعي محدود القدرات المادية لمنح السلف، بالإضافة إلى عدم وجود ضمانات لدى المزارعين للحصول على القروض فقد كانت الأراضي الموزعة لهم بحق الانتفاع مسجلة بسجلات دوائر أملاك الدولة التي لا تعتبر سجلات للملكية كسجلات السجل العقاري.
5. أجازت التعليمات لمجلس إدارة الإصلاح الزراعي حينها عمليات بيع و تأجير و تخصيص أراضي أملاك الدولة، كفرض آجر المثل و نزع يد المتصرف، و قد تم استعمال ذلك ضد صغار الفلاحين و لا يجوز الاعتراض إلّا أمام لجنة القضائية روتينية الإجراءات و التوقيت.
6. لقد كان التوجه السائد لدى إدارة الإصلاح الزراعي حينها هو تأجير أراضي أملاك الدولة و الأراضي المُستولى عليها، فقد تم توزيع (4000 هكتار) تقريباً، و بيع (2000 هكتار) تقريباً، و تأجير (600 ألف هكتار) مما يشير بشكل واضح إلى ميل الإدارة آنذاك نحو تأجير الأراضي و ليس توزيعها على صغار المزارعين.
7. وقوع اللجان البرلمانية المشرفة على قانون الإصلاح الزراعي حينها بخطأ وصف الأراضي المروية حيث تم اعتبار الأراضي المروية بواسطة الآبار الارتوازية أراضي بعلية، كما أن معيار ربط سقف الملكية بمقدار رفع منسوب المياه من الآبار لري الأراضي غير دقيق و تصنيف الأراضي البعلية لم يكن عملياً و لا يحقق العدالة لكون متوسط الأمطار يختلف من وحدة إدارية لأخرى.
8. صدور القانون رقم 3 لعام 1962م، قد أفرغ عملياً قانون الإصلاح الزراعي من محتواه، ومما زاد الطين بلة أن المرسوم التشريعي رقم 2 لعام 1962م، قد ألغى القانون رقم 3 لعام 1962م، و أجرى بعض التعديلات لصالح كبار ملاك الأراضي (الإقطاعيين).
9. صحيح أن المرسوم التشريعي رقم (88) لعام 1963م، ألغى كافة التشريعات السابقة بالإصلاح الزراعي و خفّض سقف الملكية للأراضي الخاصة وفقاً لمبدأ العدالة الاجتماعية بتوزيع الأراضي القابلة للزراعة بنسبة تتناسب مع عدد السكان حينها، إلّا أنه كسابقه من القوانين قد ركز على مشكلة الأرض دون أن يركز بدرجة كافية على مسألة تطوير قوى الإنتاج و ربط الحيازات الموزعة على صغار الفلاحين بجمعيات تعاونية إنتاجية.
10. تم توقيف الاستيلاء عملياً عام 1969م، ليتبين لاحقاً أن الحل الحقيقي لتطوير الاقتصاد الزراعي يكمن بالمرحلة التالية لتوزيع الأراضي ألا وهي إنشاء مزارع جماعية تحت مسمى جمعيات تعاونية إنتاجية، و لكن حتى عام 1979م، أي بعد عشرة سنوات من إيقاف الاستيلاء لم يكن لدينا سوى ثلاث جمعيات زراعية تعاونية إنتاجية فقط وهي جمعية (أبي ذر الغفاري) في دير الزور تأسست 1961م، وجمعية (المنظار) في طرطوس تأسست 1970م، وجمعية (حويجة عبده) في الرقة تأسست 1971م.
11. ما حدث بمنطقة نهر الفرات في الجزيرة عند بدء العمل بمشروع سد الفرات بالرقة حيث تم غمر قسم من أراضي المزارعين بالمياه التي شكّلت البحيرة خلف جسم السّد مما عُرف حينها بمصطلح (قضية الغمر) حيث تم توزيع أراضي بديلة لهؤلاء المزارعين في شمال محافظة الحسكة بمنطقة القامشلي، لذلك وصف سكان تلك المنطقة (من غير العرب) قانون الإصلاح الزراعي بتسمية (مشروع الحزام العربي) وأعطوا الموضوع بُعداً سياسي و قومي لا يعكس حقيقة الغرض الاقتصادي الذي من أجله تم وضع قانون الإصلاح الزراعي.
أخيراً أختم الحديث بهذا الموضوع أنه لا عودة للاكتفاء الذاتي و لا قدرة على تطوير الإنتاج الزراعي إلّا بإعادة تفعيل الإصلاح الزراعي و وضع الخطط الخماسية الواقعية التي تتماشى مع الإمكانيات و تعطي الفلاح حاجته من الأسمدة و المحروقات إلى جانب البذار و المبيدات بنزاهة و شفافية عبر المصرف الزراعي، مع الانتباه إلى أن مصطلح الإقطاعي لم يعد مقتصراً على كبار ملاك الأراضي بل امتدّ ليشمل كبار مُحتكري مستلزمات الإنتاج الزراعي من شركات الأسمدة و البذار و المبيدات، و توطين صغار المزارعين بالأراضي الموزعة لهم و الحدّ من هجرتهم و أبناءهم إلى المدينة لا يتم إلّا بتفعيل رخصة البيت الزراعي التي لا تتجاوز مساحته (120 م2) أفقية على الأراضي التي لا تقل مساحتها عن أربعة دونمات تبعاً للقرار رقم 785/ق تاريخ 29/5/2011 م، الصادر عن وزارة الإدارة المحلية، و المرتبط بتصنيف الأراضي الواردة بدليل تصنيف الأراضي المعتمد من قبل وزارة الزراعة.
وعلى أمل إعادة الإصلاح من قبل صاحب القرار
تعليقات
إرسال تعليق
* عزيزي القارئ *
لقد قمنا بتحديث نظام التعليقات على موقعنا، ونأمل أن ينال إعجابكم. لكتابة التعليقات يجب أولا التسجيل عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي أو عن طريق خدمة البريد الإلكتروني...
رئيس التحرير د:حسن نعيم إبراهيم.