بين التفاوض والاحتلال: لبنان في مواجهة الإملاءات الجديدة
بين التفاوض والاحتلال: لبنان في مواجهة الإملاءات الجديدة
بقلم ريما فارس
ليست الدعوات إلى التفاوض مجرّد كلمات عابرة في بيان رئاسي، بل مؤشّر إلى مرحلة دقيقة يحاول فيها لبنان أن يرسم حدوده السياسية
كما يرسم حدوده الجغرافية. فكلّ تصريح في هذا الظرف لا يُقرأ بمعناه المباشر، بل بما يخفيه من رسائل إلى الداخل والخارج معًا. بين من
يرى في التفاوض ضرورة لتجنّب الانفجار، ومن يعتبره فخًّا للتطبيع المبطّن، يقف لبنان عند مفترق لا يحتمل الخطأ في التقدير.
التحرّك الأميركي، بقيادة مورغان أورتاغوس وتوم باراك وجاريد كوشنير، لا يحمل نوايا سلام بقدر ما يعكس رغبة في إدارة المنطقة
تحت سقف المصالح الإسرائيلية. فالحديث عن “الميكانيزم” ليس تقنيًا بقدر ما هو سياسي بامتياز، يراد منه اختبار مرونة الموقف
اللبناني، وفتح الباب أمام نقاشات أوسع تتجاوز الأمن إلى السيادة.
أما في بيروت، فالموقف أكثر تأنّياً مما يظهر. الدولة اللبنانية لا تمانع في الانخراط ضمن مسار دبلوماسي يحفظ ماء الوجه أمام المجتمع
الدولي، لكنها في العمق تدرك أن أي تفاوض من موقع الضعف لن يغيّر في معادلات الميدان. لذا، يجري التعاطي مع الطروحات
الأميركية بحذر مزدوج: الانفتاح اللفظي لقطع الطريق على الاتهامات بالجمود، والتمسك العملي بالثوابت التي ترسمها معادلة الجيش
والمقاومة معاً.
حتى الآن، لا مؤشرات على نية لبنان الذهاب إلى تصعيد ميداني، لكنه أيضاً لا يعيش مرحلة هدنة حقيقية. فسماء الجنوب لا تزال تحت
الاحتلال الجوي، والخروقات اليومية تُبقي احتمالات الانفجار قائمة في أي لحظة. لذلك يتصرّف لبنان كمن يضع يده على الزناد من
دون أن يضغط عليه، في توازنٍ دقيق بين التهدئة والجهوزية، بين الردّ والانضباط.
ومع اتساع دائرة الوسطاء بين الأميركي والمصري والألماني، تتزايد الأسئلة أكثر من الأجوبة. من يرسم شكل التفاوض؟ ومن يضمن
أن لا تتحوّل “اللجنة” إلى بوابة تطبيع جديدة؟ وهل يمكن للبنان، الذي خَبِر الحرب وعاش الانقسام، أن يفاوض وهو ما زال تحت
الطائرات الإسرائيلية نفسها التي لا تعترف بحدوده؟

تعليقات
إرسال تعليق
* عزيزي القارئ *
لقد قمنا بتحديث نظام التعليقات على موقعنا، ونأمل أن ينال إعجابكم. لكتابة التعليقات يجب أولا التسجيل عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي أو عن طريق خدمة البريد الإلكتروني...
رئيس التحرير د:حسن نعيم إبراهيم.