طقوسي المقدسة بقلم ريم ميشيل ربّاط / سوريا

طقوسي المقدسة بقلم  ريم ميشيل ربّاط / سوريا
طقوسي المقدسة بقلم ريم ميشيل ربّاط / سوريا

 



لا طقوسَ خاصّةَ لديّ عندما يحتلّني التعبُ من فرطِ المسؤوليّاتِ اليوميّةِ الملقاةِ
 على عاتقي
 كوني أمّاً لثلاثة أطفالٍ في ظلّ ظروفٍ عامّةٍ لا تخفى على أحدٍ 
و بالتّأكيد لن أبوحَ بظروفي الخاصّة فلكلّ منّا مساميره التي تستنزفُ ما تبقّى
 من روحهِ
لكنّ الفاصلَ الوحيدَ الذي أخلقهُ لنفسي عدّة مرّاتٍ في كلّ يومٍ 
هو شربُ فنجانٍ من القهوةِ . 
فمنذ اللحظةِ الأولى لاستيقاظي أضعُ ركوتي الصغيرةِ على النّارِ و أنا متلهّفةٌ
 لأسمعَ صوتَ غليانِ الماءِ 
بينما صوتُ فيروزَ يصدحُ في أرجاء قلبي
 ( أهواك أهواك بلا أملٍ )
 و أنا أتلذّذُ برائحةِ البنِّ بانتظار غليانِ الماءِ ،
أضيفُ البُنَّ إلى الماءِ المغليّ فأشعرُ أنّ رائحةَ القهوةِ تطوفُ كغيمةٍ فوق رأسي لترافقني إلى أنْ أصبَّ فنجاني
 و أجلسَ إلى طاولتي الصّغيرةِ في المطبخِ لأبدأ بوضعِ مكياجي المعتادِ
(مرآة ، كحلتي السّوداء ، فيروز ، و قهوة)
هكذا أبدأُ يومي و بعدها تأخذني المشاغلُ اليوميّة داخل البيتِ و خارجهُ و كلّما شعرتُ بالتّعب الجسديّ
 أو الرّوحيّ أهرعُ إلى المطبخِ لأكرّر طقسيَ المقدّسَ
قد يطلب منّي أحدُ أطفالي أمراً ما 
فأخبرهُ أنّني سألبّيه حالما أنتهي من شربِ قهوتي 
و فعلاً فور انتهائي من شربِ القهوة أشعرُ بأنّني استعدتُ قواي المنهارة
 و كأنّ شيئاً قد رمّم ما تصدّع 
في القلبِ 
مع كلّ فنجانِ قهوةٍ أشعر أنّ يومي قد بدأ من جديد حتّى لو كان الوقتُ مساءً !!!
و كلُّ عدّة أيّامٍ أشربُ فنجاناً من القهوة مع جاراتي العزيزات فأراهنَّ يضعنَ
 إبريقاً كبيراً من القهوةِ و يشربنَ
 عدّة فناجين في الجلسة الواحدةِ 
أمّا أنا فلا أستطيعُ شرب أكثر من فنجانٍ واحد في كلّ جلسةٍ فتتعجّبُ 
جاراتي و يسألنني : 
"ع أساس بتحبّي القهوة ؟!"
فأجيبهنّ : 
"لأنّي بحبها بشرب منها فنجان واحد بكلّ قعدة مابحب أحسّ أنّي شبعت منها عالآخر
بدّي ضلني مشتقتلها"
الآن و بعد زيارة كورونا لجسدي و نهبهِ لحاسّتَي الشّمّ و التذوّق لم تعد
 تخطرُ القهوةُ على بالي 
و لم أشربها منذ عدّة أيّامٍ
فقدتُ حاستَي اللّتين أحببتُ القهوةَ بهما و فقدتُ شهيّتي تجاه حبيبتي
 و فقدتُ طقسيَ الحبيبِ 
فلا طعم و لا رائحة 
بانتظارِ عودةِ إحدى الحواس على الأقلّ 
سأبقى من عشّاقِ القهوةِ


تعليقات